لقد تمكن الفيزيائي ألبرت أينشتاين (Albert Einstein) في عام 1917 من وضع الأسس النظرية التي يقوم عليها عمل الليزر وذلك في أبحاثه حول الظاهرة الكهروضوئية (photoelectric). وفي هذه الظاهرة لاحظ العلماء أنه عند تسليط إشعاع كهرومغناطيسي ضوئي على سطح معدني فإن الإلكترونات تنبعث من هذا السطح فقط إذا تجاوز تردد الضوء قيمة معينة أما إذا كان تردد الضوء أقل من ذلك فإن الإلكترونات لا تنبعث أبدا مهما بلغت شدة الضوء المسلط. وبقيت هذه الظاهرة لغزا يحير العلماء إلى أن تمكن أينشتاين في عام 1905 من حل هذا اللغز بعد أن اثبت أن الضوء ذي طبيعة موجية وجسيمية وذلك على العكس من الاعتقاد السائد حينئذ وهو أن الضوء ذي طبيعة موجية فقط. وقد أثبت أينشتاين أن الضوء وكذلك بقية أنواع الإشعاعات الكهرومغناطيسية ليست سيلا متصلا من الطاقة بل تتكون من وحدات صغيرة يحمل كل منها كمية محددة من الطاقة أطلق عليها اسم الفوتونات (photons). وتتناسب كمية الطاقة التي يحملها الفوتون الواحد من الضوء طرديا مع تردد الضوء أما ثابت التناسب فهو رقم فيزيائي ثابت لا يتغير أبدا على كامل مدى الطيف الكهرومغناطيسي وقد أطلق عليه اسم ثابت بلانك (Planck's constant) نسبة إلى الفيزيائي الألماني الشهير ماكس بلانك (Max Planck) الذي وضع أسس نظرية الكم (quantum theory). ولقد ساعد هذا الاكتشاف إلى جانب تفسيره لهذه الظاهرة على وضع نماذج صحيحة لتركيب الذرة وتبين أنها تتكون من إلكترونات تدور في مدارات محددة حول النواة وأن الإلكترونات لا تنتقل من مدار منخفض الطاقة إلى آخر بطاقة أعلى إلا من خلال تسليط إشعاعات كهرومغناطيسية عليها وبحيث تكون طاقة فوتون الإشعاع أعلى من فرق الطاقة بين المدارين. أما عند هبوط إلكترون من مدار عالي الطاقة إلى مدار منخفض الطاقة فإن فرق الطاقة ينبعث على شكل إشعاع بحيث تكون طاقة الفوتون مساوية تماما لفرق الطاقة بين المدارين. ولقد قام أينشتاين بدراسة التفاعلات بين الإشعاعات الكهرومغناطيسية وذرات المادة وتمكن من وضع المعادلات التي تحكم هذه التفاعلات والتي سميت فيما بعد باسمه وقد تنبأ من خلال هذه المعادلات بوجود ما يسمى بظاهرة الإشعاع المستحث (Stimulated Emission) والتي يقوم عليها عمل الليزر. ولقد حاول العلماء جاهدين للحصول على الإشعاع المستحث إلا أن جهودهم باءت بالفشل ووصل اليأس ببعضهم إلي إنكار وجود مثل هذه الظاهرة الضوئية. وفي عام 1947 تمكن الفيزيائي الأمريكي وليس لامب عمليا من إثبات وجود ظاهرة الإشعاع المستحث. وفي عام 1954 تمكن الفيزيائي الأمريكي تشارلز تاون من الحصول على إشعاع مستحث في نطاق الأمواج الدقيقة (microwave ) وأطلق اسم الميزر (Maser) على هذا الجهاز وهو مختصر للجملة الإنكليزية (Microwave Amplification by Stimulated Emission of Radiation). وبهذا الإنجاز تجددت آمال العلماء للحصول على إشعاع مستحث في النطاق الضوئي المرئي أو غير المرئي ومن ثم تصنيع الليزر. وفي عام 1955 اقترح الفيزيائيان الروسيان بروكوروف وباسوف استخدام الضخ الضوئي (optical pumping) للحصول على ما يسمى التوزيع المقلوب للإلكترونات وهو أحد شروط عمل الليزر. وفي عام 1960 تمكن الفيزيائي الأمريكي ثيودور ميمان من تصنيع أول ليزر في نطاق الضوء المرئي وهو يتكون من قضيب اسطواني من الياقوت النقي تم صقل جانبيه بدقة متناهية وقد تم لف قضيب الياقوت بمصباح كهربائي مكون من أنبوب زجاجي مملوء بغاز الزنون. وعند تشغيل المصباح الكهربائي عمل الضوء الصادر عنه على إثارة ذرات الكروميوم الموجودة في الياقوت فقامت بإشعاع ضوء أحمر صافي خرج على شكل نبضات من أحد جانبي قضيب الياقوت.
قام أينشتاين في عام 1917 بدراسة تفاعل الأمواج الكهرومغناطيسية أو ما يسمى اختصارا بالإشعاع (Radiation) مع ذرات المادة ووجد أن هناك ثلاثة أنواع من التفاعلات وهي أولا الامتصاص(Absorption) وفيها تقوم ذرات المادة بامتصاص فوتونات الإشعاع المسلط عليها وتعمل طاقة الإشعاع الممتص على رفع الإلكترونات من مدارات منخفضة الطاقة إلى مدارات عالية الطاقة وتصبح الذرات في حالة الإثارة (excited state). ولا يتم امتصاص الفوتونات من قبل المادة إلا إذا كانت طاقتها تزيد عن فرق الطاقة بين مدارات الإلكترونات لذرات تلك المادة ولذا تكون المواد شفافة لجميع الإشعاعات التي تقل تردداتها عن قيم محددة تتحدد من التركيب الذري لتلك المواد كما هو الحال مع الزجاج. أما التفاعل الثاني فهو الانبعاث التلقائي (Spontaneous Emission) وفيها تقوم الذرات المثارة بإشعاع موجات كهرومغناطيسية نتيجة نزول الإلكترونات من المدارات عالية الطاقة إلى المدارات منخفضة الطاقة. إن الإشعاع التلقائي الصادر عن المادة المثارة يسمى إشعاعا غير مترابط (Noncoherent radiation) وذلك لأن الإلكترونات تنزل من تلقاء نفسها وبطريقة عشوائية بين مدارات الذرة المختلفة ولذلك فإن هذا الإشعاع يحتوي على عدد كبير جدا من الترددات وتعتمد مصادر الضوء العادية على ظاهرة الانبعاث التلقائي في عملها. أما التفاعل الثالث فهو الانبعاث المستحث (Stimulated Emission) وفيها تقوم الذرات المثارة بإشعاع موجات كهرومغناطيسية نتيجة نزول الإلكترونات من المدارات عالية الطاقة إلى المدارات منخفضة الطاقة ولكن ليس بطريقة تلقائية وعشوائية كما في الانبعاث التلقائي بل نتيجة لحثها بإشعاع له تردد محدد. إن الإشعاع المستحث الصادر عن المادة المثارة يسمى إشعاع مترابط (Coherent) وذلك لأن الموجات الكهرومغناطيسية الناتجة عن نزول الإلكترونات لها تردد (Frequency) وطور (Phase) يساويان تماما تردد وطور الأمواج التي قامت بحث الإلكترونات على الإشعاع ولذلك فإن هذا الإشعاع له تردد واحد من الناحية النظرية. ويمكن حساب تردد الإشعاع المنبعث من المادة من خلال تقسيم فرق الطاقة بين المدارين الذي انتقل بينهما الإلكترون بثابت بلانك. إن المبدأ الرئيسي الذي يقوم عليه عمل الليزر هو ظاهرة الانبعاث المستحث وهناك شروط ثلاثة تلزم لكي يولد الليزر ضوءا مترابطا من خلال هذه الظاهرة. أما الشرط الأول فهو توفر ما يسمى بالتوزيع المقلوب (Population inversion) للإلكترونات في ذرات المادة التي ستولد الضوء والذي يعني أن عدد الإلكترونات في الحالة المثارة يجب أن يكون أعلى منها في الحالة غير المثارة. وهذا الشرط لا يتحقق إلا في مواد معينة تسمى الوسط الفعال (active medium) التي يكون عدد المدارات في نطاق توصيلها (conduction band) ثلاثة أو أكثر وبحيث يوجد مدار شبه مستقر (metastable) بين المدار منخفض الطاقة والمدار عالي الطاقة. أما الشرط الثاني فهو توفر مصدر يقوم بضخ الإلكترونات (Pumping) من المدارات منخفضة الطاقة (غير المثارة) إلى المدارات عالية الطاقة (المثارة) وذلك للحصول على التوزيع المقلوب للإلكترونات. أما الشرط الثالث فهو وجود نظام تغذية راجعة موجبة (Positive feedback) لكي يعمل الليزر كمذبذب (Oscillator) يقوم بتوليد تردد الضوء المطلوب وغالبا ما يتم استخدام المرايا (Mirrors) للحصول على هذه التغذية الراجعة. وعلى هذا فإن الليزر يعمل من خلال ضخ الإلكترونات باستخدام مصدر ضخ خارجي كالضوء أو التيار الكهربائي من المدار الأدنى إلى المدار الأعلى ومن ثم تهبط الإلكترونات المثارة من خلال الانبعاث التلقائي من المدار الأعلى إلى المدار شبه المستقر (metastable state) والذي يقع بين المدارين الأدنى والأعلى حيث تبدأ الإلكترونات بالتراكم في هذا المدار لتنتج التوزيع المقلوب المنشود. وإذا ما مر فوتون ضوئي بتردد محدد على المادة وهي في وضع التوزيع المقلوب فإنه سيحث بعض الإلكترونات الموجودة في المدار شبه المستقر للنزول إلى المدار الأدنى منتجة عددا من الفوتونات الضوئية لها نفس تردد وطور واتجاه الفوتون الذي قام بحثها أي أن الضوء المتولد سيكون له تردد واحد أي أنه أحادي اللون وذلك من الناحية النظرية. وتستخدم المرايا لعكس بعض الفوتونات المتولدة لتمر من خلال ذرات المادة الفعالة لتوليد مزيدا من الفوتونات التي لها نفس الخصائص. وعادة ما تكون أحد المرايا ذات معامل انعكاس يقرب من الواحد وذلك لتعكس جميع الضوء الساقط عليها بينما يكون معامل انعكاس المرآة الثانية أقل من واحد وذلك لتسمح لجزء من الضوء المتولد للخروج منها لاستخدامه في التطبيقات المختلفة. وبما أن الفوتونات المستحثة لها نفس تردد الفوتونات التي قامت بحثها وتسير بنفس اتجاه سيرها فإن ضوء الليزر الناتج سيكون أحادي اللون تقريبا ويسير باتجاه واحد وذلك على العكس من طبيعة ضوء المصادر الأخرى. ويخرج الضوء المتولد من الليزر في العادة إما على شكل نبضات (pulsed laser) أو على شكل موجة مستمرة (continuous wave laser) والذي يتحدد من التركيب الذري للمادة الفعالة ونوع وكمية الضخ المستخدم وكذلك طريقة تركيب الليزر.
أن هذا المصدر الضوئي البسيط قد أحدث ثورة في حياة البشر, فالاستخدامات الشائعه لليزر تتراوح من استخدامه كاداة توضيحيه عندما نقدم عرض ما مرورا بالتطبيقات الطبيه والصناعيه والعسكريه اضافه لتطبيقاته في الفضاء.
حوالي 60 عاما من البعثات الفضائية كانت كافية لملأ المنطقة المحيطة بالأرض بالمخلفات الفضائية ، ملايين الأجسام المصنوعة من قبل الانسان وبأحجام مختلفة تركت هناك لتسبح في مدار الأرض. وهذه المخلفات عبارة عن بقايا صواريخ , أقمار صناعية خارجة عن الخدمة وشظايا ناتجة عن الإصطدامات.
إقترحت طريقة جديدة للتخلص من تلك المخلفات في الفضاء من خلال دفعها بإستخدام مدفع ليزري ، ومن خلال عدد من المحاكات بإستخدام الحاسوب أثبت العلماء أنه بالإمكان تحريك تلك الأجسام الموجودة في المحيط حول الأرض, وذلك بإستخدام شعاع ليزر نابض بطاقة عالية وبهذه الطريقة يمكن للعلماء أن يرسلوا تلك المخلفات بإتجاه الغلاف الجوي للأرض حيت ستحترق ولكي يتم تسديد الشعاع بالزاوية الصحيحة ينبغي تثبيت المدفع المطلق لذلك الشعاع على أحد الأقمار الصناعية.
وتشكل تلك النفايات خطرا كبيرا على البعثات التي سترسل مستقبلا نحو الفضاء, بل وحتى على محطات الفضاء الموجودة حاليا، إذ إنه بسرعة 28200 كم في الساعة يمكن حتى للأجزاء الصغيرة أن تلحق أضرارا جسيمة في المعدات الفضائية, مثل إحداث شقوق وتصدعات في المركبات الفضائية ، لذلك من المهم جدا تنظيف الفضاء من تلك الأجسام الضارة.
الصين تعتبر واحدة من اكبر البلدان المسببة في تراكم هذا الحطام ووجود هذه المخلفات ، ففي عام 2007 ـ على سبيل المثال ـ كانت الصين وراء إختبار الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية , والتي نتج عنها سحابة كبيرة جدا من 3000 قطعة من الحطام الفضائي , وتعد أكبر سحابة للمخلفات الفضائية حتى يومنا الحالي.
شذى رحيم هلال
جامعة المثنى
المصادر
1- Handbook of laser technology and applications, 1st edition, 2003, Colin E. Webb and Julian D C Jones.
2- Laser measurement technology (fundamentals and applications), Axel, Donges, Reinhard and Noll, 2015.
3- Laser and optical fiber in medicine, Abraham Kazir, 2018.
4- Introduction to Atomic and Nuclear, H. Semat and J. Albright, Hott Rinehart and Winston, 1972.
5- Physics of laser materials processing theory and experiment, Gladush, Gennady G., Smurov, Igor, 2011.
6- Laser processing of materials fundamentals, applications and developments, Schaaf, Peter, 2010.
7- Laser spectroscopy of solids, Yen, William, Selzer and Peter,1986.
8- Laser in dermatology and medicine, Keyvan Nouri, 2017, Springer.
9- Basic of laser physics for students of science and engineerings, Karl F. Renk, 2012
10- Laser dermatology, 2 edition, David J. Gddberg, 2005.
11- Laser for medical and applications, Helepa Jehnkova, 2013.
12- Handbook of laser, Marvin J. Weber, USA, 2001.
13- Laser light dynamics, H. Haken, vol. 2, 1st edition, 1985, Germany.
14- Semiconductor-laser fundamentals, Weng W. Chow and Stephan W. Koch, USA, 1998.
15- Tunable laser, F.J. Duarte, USA, 1995.
16- Laser and IPL technology in dermatology and aesthetic medicine, 2002, USA.
17- Textbook of cosmetic dermatology, 5th edition, Robert Baran and Howard I. Maibach, 2017.
18- Atomic and molecular spectra:laser, Raj Kumar,2005.
19- principles and Practice of laser dentisty, Robert A. Convissary, 2 edition, Springer.
20- استعمال الليزر في طب الامراض الجلدية, د. ياسين نجم عبيد, زينب حمزة باقي وسمية ياسين نجم, 2007, العراق.
21- مقدمة في اللیزر و تطبیقاته, سمیر عاشور,2014, الطبعة الاولى "دار الكتب العلمیه للنشر والتوزیع".
22- اللیزر "الأسس الفیزیائیة وبعض التطبیقات", سهام عفیف قندلا, الطبعة الاولى "بغداد دار الشؤون الثقافیه العامه, 1992.
23- اساسيات الليزر وتقنياته, عدي عطار الحمداني, 2004, العراق.
24- الليزر وتطبيقاته, د.سعود بن حميد اللحياني, 2005, السعودية.
25- الليزرات, ترجمة فاروق عبودي قيصر, 1984, العراق.
26- فيزياء الليزر وتطبيقاته, محمد الكوسا,2005, سوريا .