تذكرت وأنا اكتب مقالتي هذه أحدى زميلاتي في المرحلة الإعدادية ، عاودتها في المشفى وقد كانت بحالة سيئة جدا فقد تمكن المرض منها وتجرثم الدم وكان الطبيب المشرف على علاجها يشكو من حالة الحساسية للمضاد الحيوي التي تعاني منها زميلتي ، فقد كان الطبيب محرجا من زيادة جرعة المضاد كون جسم زميلتي ترفضه وفي نفس الوقت هو مضطر لزيادة الجرعة كون الجراثيم قد وصلت إلى الدم .
العلم الحديث يحل يوما بعد آخر كل مشاكل الحياة ويطرق أبوابنا يسأل عن معضلة تواجهنا ليعرض خدماته بكل تواضع ، في الوقت الحاضر يستخدم الليزر في تشعيع الدم بصورة واسعة لعلاج عدد غير محدود من الحالات المرضية والليزر المستخدم لتشعيع الدم Photohemotherapy يكون على نوعين فأما النوع الأول فهو الليزر عالي الطاقةHigh tension lasers مثل ليزر ثنائي أوكسيد الكاربون وليزر الياك Nd – Yag حيث تستخدم لمعالجة إنسدادات الأوعية الدموية وتضيق الشرايين وتجمع الكولسترول في جدرانها حيث تمرر الليفات البصرية الحاملة لشعاع هذه الليزرات عبر الوريد الفخذي وتراقب من خلال شاشة عرض خاصة وصولا إلى الموقع المستهدف لتبدأ مرحلة إطلاق الحزمة لتشتيت العائق والتخلص منه .
أما النوع الثاني فهو إستخدام الليزرات واطئة الطاقةLow level lasers مثل ليزر الهليوم – نيون وثنائي الصمام والليزر الأزرق لهذا الغرض ، حيث يمرر الليزر بأنواعه المختلفة عبر الوريد ليصبح بتماس مع الدم ويختلف هذا النوع من العلاج بالمقارنة مع التطبيق المباشر للأشعة على الموضع المطلوب بأن طاقة الليزر تصل إلى الدم ، بمعنى إن الإستفادة تكون جهازية وعلى مستوى الجسم كله ، وتؤدي إلى زيادة الفعالية الوظيفية لجهاز الدوران ، التنفسي ، المناعي ، بل حتى على مستوى الأعضاء المنضوية تحت تركيب أحد أجهزة الجسم .
إن فكرة استخدام ليزر الهليوم – نيون ( ذات اللون الأ حمر ) مختبريا ثم سريريا كان في الاتحاد السوفيتي السابق وتعود الى عام 1981م حيث أستخدم لمعالجة بعض الحالات المرضية في الجهاز القلبي – الوعائي مثل اللانظمية وإحتشاء عضل القلب ولكن التقارير اللاحقة أوضحت بأن التشعيع بالليزر للدم يضفي تحسنا كبيرا للحالة السوائلية للدم والدوران الدقيق ويعيد كافة القراآت الهرمونية ، المناعية والتكاثرية إلى الحالة الطبيعية ، ومن الواضح بأن ليزر الهليوم – نيون ذا الطول الموجي 632,8 نانومتر قد إكتسب الشهرة الأوسع في هذا المجال ، أما الطاقة المنبعثة من نهاية الليف البصري الناقل للشعاع فهي بين ( 1 – 3 ملي واط ) ولفترة زمنية بين ( 20- 60 دقيقة ) ويبلغ عدد الجلسات بين 3 – 10 وحسب الحاجة .
وكما أسلفنا فان تشعيع الدم بالليزر يزيد من الإستجابة المناعية لأعضاء الجسم ، تشجع توالد الكريات الدموية الحمراء وتزيد من القالبلية النضوحية لجدرانها ، ولها دور كبير في منع إنخفاض تهوية النسيج ومضاد للسمية على مستوى أعضاء الجسم عند التعرض للحالات المرضية ويجدر بنا الإشارة إلى الدور الذي يلعبه الليزر في تشجيع النمو ، التهدئة و تضاد الحساسية ، وكذلك في توسيع الأوعية الدموية ومنع حالات اللانظمية ، وأيضا كمضاد للمغص والإلتهاب. وقد وجد الباحثون بأن الليزر يكثف من الفعالية المضادة للبكتريا في مصل الدم وزيادة محتوى مصل الدم من الأجسام المناعية التخصصية IgA , IgG & IgM فيما يحسن دوران المنظومات المناعية في البلازما بما يؤدي بالنتيجة النهائية إلى تقليلها .
وبالتعمق في البحث العلمي لمعرفة إمكانية الإستفادة من الليزر في زيادة كفاءة إداء أجهزة الجسم وجد العلماء بأن نشاط الخلايا البلعمية زاد بعد التشعيع بصورة ملحوظة مما أدى إلى تقليل عدد الجراثيم في الإفرازات الإلتهابية في التجويف البطني للمرضى الذين يعانون من إلتهاب الخلب Peritonitis وتبع ذلك تقليل في الإفرازات الإلتهابية وزيادة الدوران الدقيق علاوة على زيادة نشاط الخلايا اللمفاوية من نوع B وبالتالي تحسن الوضع العام للمريض .
أيضا يمكن ملاحظة وجود زيادة كبيرة في مستوى الأوكسجين ونقصان في مستوى الضغط الجزئي لثنائي أوكسيد الكاربون ووجود فرق كبير في المرتقى الشرياني – الوريدي لصالح الأوكسجين ، وهذه كلها تدلل على تطبيع أيض النسيج . يزيد الليزر أيضا من تصنيع انزيم أدينوسين ثلاثي الفوسفيت ATP وبالتالي زيادة الطاقة داخل الخلية .
يقلل الليزر من قابلية الصفيحات الدموية على التجمع والتشابك وتشجع تحلل الليفات مما تؤدي إلى زيادة سيولة الدم المحيطي ، وكذلك زيادة قابلية أكسدة الجزيئات الناقلة للكلوكوز .
في الوقت الحاضر دأبت بعض العيادات التخصصية إلى تشعيع الدم بالليزر قبل وبعد التداخل الجراحي ويعزون ذلك بأن الليزر له قابلية تهدئة المريض وحتى منومة للمريض ، وفي مرضى يعانون من إلتهاب مزمن في قشرة وحوض الكلية فقد وجد إن التشعيع بالليزر يزيد كثيرا من كفاءة العلاج بالقشرانيات ، خافضات ضغط الدم والمدررات وليس مستغربا أن يزيد الليزر من كفاءة إمتصاص المضاد الحيوي من موضع الحقن في العضل ويزيد من تركيزه في الدم خلال فترة زمنية محدودة ، ثم يعود بعد أن يؤدي المضاد الحيوي مفعوله ليصفي جهاز الدوران من تواجده وخلال فترة قياسية وهي نقاط ضرورية جدا للطبيب للوقوف على حالات حرجة تتداخل فيها حساسية المريض للمضاد الحيوي وحالة تمكن الجراثيم من الجسم وبالتالي الحاجة إلى جرعة عالية من المضاد الحيوي.
ويجد تشعيع الدم بالليزر طيفا واسعا من التطبيقات في ما يخص الأمراض النسائية والتوليد من خلال تنشيط الدوران الرحمي المشيمي واللامشيمي الجنيني على السواء بهدف التخلص من بعض الأمراض المرافقة للولادة والسيطرة على بعض الحالات الإلتهابية التي تستهدف الأعضاء التناسلية الداخلية وكذلك تعمل على تحفيز إنتاج الهرمونات التناسلية علاوة على تنشيط عمليات إعادة البناء والإصلاح .
وهناك تقارير مبنية على البحث العلمي بينت إن التشعيع بالليزر له تأثير واضح على الجهاز العصبي المركزي وبخاصة الغدة تحت النخامية Hypothalamus والنوية تحت النخامية Subthalamic nucleus حيث يزداد وبصورة جلية قطر الأوعية الدموية الشعرية في الغدة تحت النخامية وتزداد تبعا لذلك نفاذية البروتينات ذات الجزيئات الكبيرة وهكذا تزداد فعاليتها الوظيفية ، وصولا إلى تحفيز المناعة ، الأيض وإنتاج الطاقة وكلها إمور تنصب في مصلحة تهيأة وتعويد العضو المستهدف في الجسم بالتشعيع على الوضع الجديد.
أطباء الأطفال والأطباء القائمين على علاج كبار السن والعجزة لجأوا إلى تحوير لطريقة تشعيع الدم بالليزر من خلال إستخدام ليزر ثنائي الصمام Semiconductor lasers الذي ينبعث ضمن المنطقة الحمراء Red 630- 670 نانومتر والقريبة من تحت الحمراء -Near infra red 800- 133 نانومتر في البحث العلمي والمعالجة السريرية اليومية من خلال تسليطها على الجلد في أماكن من الجسم تتمتع بوفرة من الأوعية الدموية سواء كانت أوردة أو شرايين بإستخدام مجسات خاصة ناقلة للأشعة وتوصلوا إلى نتائج مفادها إمكانية الحصول على نتائج تشابه التي حصلوا عليها بعد تشعيع الدم من خلال الحقن الوريدي وعزوا ذلك إلى النفاذية العالية للجلد والأنسجة تحت الجلدية للأشعة الحمراء والقريبة من الحمراء ، وفي هذا الصدد ولغرض تقريب الصورة يذكر الباحثين بأن تشعيع الجلد بليزر الهليوم – نيون قوته 20 ملي واط عن طريق تسليطه على الجلد يساوي تقريبا حقن الدم بنفس الليزر ولكن بقوة 1 ملي واط ، ورغم الفارق الكبير في القوة ولربما الزمن المطلوب ، يورد الأطباء بأن العلاج عن طريق تشعيع الجلد لا يرافقه ألم وغير مخترق .
أما النوع الآخر من الليزرات وهو الليزر الأزرق فقد إستخدم في الثمانينات من القرن الماضي لمعالجة حالات فقر الدم الموضعي في القلب Ischemia وإرتفاع ضغط الدم Hypertension والمحصلة التي وجدوها هي إنخفاض البروتينات الدهنية Lipoproteins والكولسترول بعد التشعيع فيما كانت لزوجة الدم تنخفض بشكل ملحوظ كانت لزوجة البلازما هي الأخرى تنخفض ولكن ليس بنفس الدرجة التي إنخفضت فيها لزوجة الدم وبالتالي يمكن التوصل إلى نتيجة مفادها بأن التشعيع بالليزر الأزرق لايحطم كريات الدم ولكن يعمل على المركبات التي قد تلتصق بجدران الأوعية الدموية مؤدية إلى تضييقها وكذلك على الكلوكوز والبيليروبين .
من ناحية أخرى فقد وجد الروس بأن تشعيع الدم بالليزر الأزرق يؤدي إلى زيادة الإستجابة المناعية لمرضى يعانون من الربو القصبي Asthemetic bronchitis حيث يشعر المريض بالتحسن بعد التشعيع مباشرة وتستمر نسب التحسن كلما تقدم العلاج ولربما يصبح إستخدام هذا النوع من الليزر أوسع في المستقبل .
في بلدنا يأخذ هذا النوع من العلاج طريقه ببطئ رغم نجاحاته المتكررة فقد إستطاع المتخصصون في هذا المجال من تشعيع الدم لزيادة نسبة إمتصاص المضادات الحيوية كالأمبسلين والجنتامايسين وكذلك قراءة زيادة ملحوظة في نسب الأجسام المناعية بعد تشعيع الدم عن طريق الوريد .